اَلْفَصْلُ ٱلثَّانِي عَشَرَ
تعزَّى بإلهه
١، ٢ مَاذَا حَصَلَ خِلَالَ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ ٱلزَّاخِرِ بِٱلْأَحْدَاثِ فِي حَيَاةِ إِيلِيَّا؟
اِنْطَلَقَ إِيلِيَّا يَجْرِي تَحْتَ ٱلْأَمْطَارِ ٱلْغَزِيرَةِ وَظُلْمَةُ ٱللَّيْلِ تَشْتَدُّ. مَا زَالَ ٱلدَّرْبُ أَمَامَهُ طَوِيلًا جِدًّا إِلَى يِزْرَعِيلَ، وَهُوَ لَمْ يَعُدْ شَابًّا. رَغْمَ ذٰلِكَ، رَاحَ يَرْكُضُ مِنْ غَيْرِ كَلَلٍ، لِأَنَّ «يَدَ يَهْوَهَ» كَانَتْ عَلَيْهِ. فَقَدْ سَرَتْ فِي جَسَدِهِ طَاقَةٌ لَمْ يَشْعُرْ بِمِثْلِهَا مِنْ قَبْلُ. حَتَّى إِنَّهُ سَبَقَ ٱلْأَحْصِنَةَ ٱلَّتِي تَجُرُّ عَرَبَةَ أَخْآبَ ٱلْمَلَكِيَّةَ! — اقرأ ١ ملوك ١٨:٤٦.
٢ تَخَيَّلْ زَخَّاتِ ٱلْمَطَرِ ٱلْغَزِيرَةَ تَلْطِمُ وَجْهَ ٱلنَّبِيِّ وَهُوَ يَرْكُضُ وَيَرْكُضُ عَلَى تِلْكَ ٱلطَّرِيقِ ٱلطَّوِيلَةِ، مُسْتَرْجِعًا فِي ذِهْنِهِ يَوْمَهُ ٱلْمُمَيَّزَ ٱلزَّاخِرَ بِٱلْأَحْدَاثِ. لَا شَكَّ أَنَّهُ يَوْمُ ٱنْتِصَارٍ مَجِيدٍ لِإِلٰهِهِ يَهْوَهَ وَلِلْعِبَادَةِ ٱلْحَقَّةِ. فَعَلَى قِمَّةِ جَبَلِ ٱلْكَرْمَلِ ٱلَّتِي بَاتَتِ ٱلْآنَ عَلَى مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ وَرَاءَهُ مُتَوَارِيَةً خَلْفَ ٱلْغَمَامِ ٱلْكَثِيفِ، ٱسْتَخْدَمَهُ يَهْوَهُ لِيُسَدِّدَ عَجَائِبِيًّا صَفْعَةً قَوِيَّةً إِلَى عِبَادَةِ ٱلْبَعْلِ. فَشَهَّرَ ٱلْمِئَاتِ مِنْ أَنْبِيَاءِ ٱلْبَعْلِ ٱلْأَشْرَارِ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ مُجَرَّدُ خُدْعَةٍ وَأَنْزَلَ بِهِمِ ٱلْعِقَابَ ٱلَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ. ثُمَّ صَلَّى إِلَى يَهْوَهَ لِيُنْهِيَ ٱلْقَحْطَ ٱلَّذِي ٱبْتَلَى ٱلْأَرْضَ ثَلَاثَ سَنَوَاتٍ وَنِصْفًا. وَإِذَا بِٱلْمَطَرِ يَنْهَمِرُ! — ١ مل ١٨:١٨-٤٥.
٣، ٤ (أ) لِمَ رُبَّمَا تَمَتَّعَ إِيلِيَّا بِمَعْنَوِيَّاتٍ عَالِيَةٍ وَهُوَ ذَاهِبٌ إِلَى يِزْرَعِيلَ؟ (ب) أَيُّ سُؤَالَيْنِ سَنُجِيبُ عَنْهُمَا فِي هٰذَا ٱلْفَصْلِ؟
٣ فِيمَا أَخَذَ إِيلِيَّا يَشُقُّ طَرِيقَهُ وَسْطَ سُيُولِ ٱلْأَمْطَارِ قَاطِعًا مَسَافَةَ ٱلثَّلَاثِينَ كِيلُومِتْرًا ٱلَّتِي تَفْصِلُهُ عَنْ يِزْرَعِيلَ، لَرُبَّمَا كَانَ يَتَمَتَّعُ بِمَعْنَوِيَّاتٍ عَالِيَةٍ وَيَسْتَبْشِرُ خَيْرًا. لَقَدْ بَدَا لَهُ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمُ نُقْطَةَ تَحَوُّلٍ هَامَّةً. أَيُعْقَلُ أَلَّا يُغَيِّرَ ٱلْمَلِكُ أَخْآبُ مَوْقِفَهُ؟! فَبَعْدَ ٱلْعَجِيبَةِ ٱلَّتِي رَآهَا بِأُمِّ عَيْنِهِ، لَزِمَ دُونَ شَكٍّ أَنْ يَهْجُرَ عِبَادَةَ ٱلْبَعْلِ ٱلْبَغِيضَةَ، يَرْدَعَ زَوْجَتَهُ ٱلْمَلِكَةَ إِيزَابِلَ عَنِ ٱرْتِكَابِ ٱلشُّرُورِ، وَيَحُدَّ مِنِ ٱضْطِهَادِ خُدَّامِ يَهْوَهَ.
يع ٥:١٧) لٰكِنَّ ٱلْحَقِيقَةَ هِيَ أَنَّ جَبَلًا مِنَ ٱلْمَشَاكِلِ كَانَ بِٱنْتِظَارِهِ. فَفِي غُضُونِ سَاعَاتٍ قَلِيلَةٍ، كَانَ سَيَقَعُ فَرِيسَةَ ٱلْخَوْفِ ٱلشَّدِيدِ وَيَشْعُرُ أَنَّ مَعْنَوِيَّاتِهِ فِي ٱلْحَضِيضِ بِحَيْثُ يَتَمَنَّى ٱلْمَوْتَ لِنَفْسِهِ. فَمَا ٱلَّذِي حَصَلَ؟ وَكَيْفَ سَاعَدَ يَهْوَهُ نَبِيَّهُ عَلَى ٱسْتِعَادَةِ شَجَاعَتِهِ وَتَعْزِيزِ إِيمَانِهِ؟ لِنَرَ ذٰلِكَ مَعًا.
٤ عَلَى غِرَارِ إِيلِيَّا، قَدْ نَتَبَنَّى نَحْنُ ٱلْيَوْمَ نَظْرَةً مُتَفَائِلَةً إِلَى ٱلْأُمُورِ حِينَ نَرَاهَا تَسِيرُ كَمَا نَشْتَهِي، فَتَكْبُرُ آمَالُنَا وَنَخْلُصُ إِلَى ٱلظَّنِّ أَنَّ ظُرُوفَنَا تَتَحَسَّنُ، وَرُبَّمَا أَيْضًا أَنَّ مَشَاكِلَنَا ٱلْأَصْعَبَ صَارَتْ أَخِيرًا مِنَ ٱلْمَاضِي. وَلَا عَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِيلِيَّا قَدْ فَكَّرَ بِهٰذِهِ ٱلطَّرِيقَةِ لِأَنَّهُ ‹إِنْسَانٌ بِمِثْلِ مَشَاعِرِنَا›. (مُنْعَطَفٌ مُفَاجِئٌ فِي مَجْرَى ٱلْأَحْدَاثِ
٥ هَلْ تَعَلَّمَ أَخْآبُ أَنْ يَحْتَرِمَ يَهْوَهَ بَعْدَ ٱلْأَحْدَاثِ ٱلَّتِي شَهِدَهَا بِعَيْنِهِ عَلَى جَبَلِ ٱلْكَرْمَلِ، وَكَيْفَ نَعْرِفُ ذٰلِكَ؟
٥ حِينَ وَصَلَ أَخْآبُ إِلَى قَصْرِهِ فِي يِزْرَعِيلَ، هَلْ بَيَّنَ أَنَّ مَوْقِفَهُ تَغَيَّرَ؟ نَقْرَأُ: «أَخْبَرَ أَخْآبُ إِيزَابِلَ بِكُلِّ مَا فَعَلَ إِيلِيَّا وَكَيْفَ قَتَلَ جَمِيعَ ٱلْأَنْبِيَاءِ بِٱلسَّيْفِ». (١ مل ١٩:١) لَاحِظْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ مُطْلَقًا عَلَى ذِكْرِ يَهْوَهَ إِلٰهِ إِيلِيَّا فِيمَا رَاحَ يَسْرُدُ أَحْدَاثَ ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ. بَلْ نَظَرَ إِلَى ٱلْعَجَائِبِ ٱلَّتِي حَصَلَتْ بِمِنْظَارٍ بَشَرِيٍّ مَحْضٍ قَائِلًا: «مَا فَعَلَ إِيلِيَّا». مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّمِ ٱحْتِرَامَ يَهْوَهَ ٱللهِ. وَمَاذَا عَنْ زَوْجَتِهِ ٱلْحَقُودَةِ؟ مَاذَا كَانَ رَدُّ فِعْلِهَا حِيَالَ مَا سَمِعَتْهُ؟
٦ أَيُّ رِسَالَةٍ بَعَثَتْ بِهَا إِيزَابِلُ إِلَى إِيلِيَّا، وَلِمَ كَانَتْ مُرْعِبَةً؟
٦ لَقَدِ ٱسْتَشَاطَتْ إِيزَابِلُ غَيْظًا وَبَعَثَتْ بِرِسَالَةٍ إِلَى إِيلِيَّا تَقُولُ فِيهَا: «هٰكَذَا تَفْعَلُ ٱلْآلِهَةُ وَهٰكَذَا تَزِيدُ، إِنْ لَمْ أَجْعَلْ نَفْسَكَ كَنَفْسِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي مِثْلِ هٰذَا ٱلْوَقْتِ غَدًا!». (١ مل ١٩:٢) يَا لَهُ مِنْ تَهْدِيدٍ يُجَمِّدُ ٱلدَّمَ فِي ٱلْعُرُوقِ! فَهِيَ أَقْسَمَتْ بِحَيَاتِهَا أَنْ تَنْتَقِمَ لِأَنْبِيَاءِ ٱلْبَعْلِ وَتَمْحُوَ إِيلِيَّا مِنَ ٱلْوُجُودِ قَبْلَ نِهَايَةِ ٱلْيَوْمِ ٱلتَّالِي. تَخَيَّلْ إِيلِيَّا نَائِمًا فِي مَكَانٍ مُتَوَاضِعٍ فِي يِزْرَعِيلَ فِي تِلْكَ ٱللَّيْلَةِ ٱلْعَاصِفَةِ، وَإِذْ بِهِ يَسْتَيْقِظُ عَلَى صَوْتِ رَسُولِ ٱلْمَلِكَةِ يَنْقُلُ إِلَيْهِ هٰذَا ٱلتَّهْدِيدَ ٱلْمُرِيعَ. فَمَا كَانَ وَقْعُ ذٰلِكَ عَلَيْهِ؟
إِيلِيَّا يَقَعُ فَرِيسَةَ ٱلتَّثَبُّطِ وَٱلْخَوْفِ
٧ كَيْفَ أَثَّرَ تَهْدِيدُ إِيزَابِلَ فِي نَفْسِ إِيلِيَّا، وَمَاذَا فَعَلَ؟
٧ فِي حَالِ ٱعْتَقَدَ إِيلِيَّا أَنَّ ٱلْحَرْبَ ضِدَّ عِبَادَةِ ٱلْبَعْلِ شَارَفَتْ عَلَى نِهَايَتِهَا، ١ مل ١٨:٤؛ ١٩:٣.
فَكُلُّ آمَالِهِ تَحَطَّمَتْ فِي تِلْكَ ٱللَّحْظَةِ. لَقَدْ كَانَتْ إِيزَابِلُ مَاضِيَةً فِي مُخَطَّطِهَا لَا يَثْنِيهَا شَيْءٌ. فَهِيَ سَبَقَتْ وَأَمَرَتْ بِقَتْلِ عَدَدٍ كَبِيرٍ مِنْ رُفَقَائِهِ ٱلْأُمَنَاءِ، وَيَبْدُو ٱلْآنَ أَنَّ دَوْرَهُ قَدْ حَانَ. فَكَيْفَ أَثَّرَ تَهْدِيدُهَا فِي نَفْسِهِ؟ يُخْبِرُنَا ٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ أَنَّهُ «خَافَ». هَلْ يُعْقَلُ أَنَّهُ رَاحَ يَتَصَوَّرُ ٱلْمِيتَةَ ٱلرَّهِيبَةَ ٱلَّتِي سَيَلْقَاهَا عَلَى يَدِهَا؟ إِذَا كَانَ قَدْ أَطَالَ ٱلتَّفْكِيرَ فِي ذٰلِكَ، فَلَيْسَ مُسْتَغْرَبًا أَنْ يَفْقِدَ شَجَاعَتَهُ. فِي مُطْلَقِ ٱلْأَحْوَالِ، يَذْكُرُ ٱلسِّجِلُّ أَنَّهُ «ذَهَبَ لِأَجْلِ نَفْسِهِ»، أَيْ هَرَبَ لِيَنْجُوَ بِحَيَاتِهِ. —إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَتَسَلَّحَ بِٱلشَّجَاعَةِ دَوْمًا، فَعَلَيْنَا أَلَّا نُطِيلَ ٱلتَّفْكِيرَ فِي ٱلْمَخَاطِرِ ٱلَّتِي تُخِيفُنَا
٨ (أ) كَيْفَ وَقَعَ بُطْرُسُ فَرِيسَةَ ٱلْخَوْفِ مِثْلَ إِيلِيَّا؟ (ب) أَيُّ دَرْسٍ نَتَعَلَّمُهُ مِنْ إِيلِيَّا وَبُطْرُسَ؟
٨ لَيْسَ إِيلِيَّا هُوَ رَجُلَ ٱلْإِيمَانِ ٱلْوَحِيدَ ٱلَّذِي ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ ٱلْخَوْفُ. فَبَعْدَ سَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ، وَاجَهَ ٱلرَّسُولُ بُطْرُسُ ٱلْمُشْكِلَةَ عَيْنَهَا. فَذَاتَ مَرَّةٍ، مَنَحَهُ يَسُوعُ ٱلْقُدْرَةَ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى ٱلْمَاءِ، لٰكِنَّهُ خَسِرَ شَجَاعَتَهُ وَٱبْتَدَأَ يَغْرَقُ «لَمَّا رَأَى عَاصِفَةَ ٱلرِّيحِ». (اقرأ متى ١٤:٣٠.) فَأَيُّ دَرْسٍ قَيِّمٍ نَتَعَلَّمُهُ مِنْ مِثَالِ إِيلِيَّا وَبُطْرُسَ؟ إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَتَسَلَّحَ بِٱلشَّجَاعَةِ دَوْمًا، فَعَلَيْنَا أَلَّا نُطِيلَ ٱلتَّفْكِيرَ فِي ٱلْمَخَاطِرِ ٱلَّتِي تُخِيفُنَا، بَلْ أَنْ نُرَكِّزَ عَلَى يَهْوَهَ ٱللهِ مَصْدَرِ رَجَائِنَا وَقُوَّتِنَا.
«كَفَى ٱلْآنَ يَا يَهْوَهُ!»
٩ كَيْفَ نَتَخَيَّلُ رِحْلَةَ إِيلِيَّا، وَأَيَّةُ مَشَاعِرَ سَاوَرَتْهُ خِلَالَ هُرُوبِهِ؟
٩ هَرَبَ إِيلِيَّا وَقَلْبُهُ يَرْجُفُ مِنَ ٱلْخَوْفِ فِي ٱلِٱتِّجَاهِ ٱلْجَنُوبِيِّ ٱلْغَرْبِيِّ مُجْتَازًا نَحْوَ ١٥٠ كلم إِلَى بِئْرَ سَبْعَ، مَدِينَةٍ تَقَعُ قُرْبَ حُدُودِ يَهُوذَا ٱلْجَنُوبِيَّةِ. فَتَرَكَ غُلَامَهُ هُنَاكَ وَٱنْطَلَقَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ بِمُفْرَدِهِ، سَائِرًا «مَسِيرَةَ يَوْمٍ» حَسْبَمَا يَذْكُرُ ٱلسِّجِلُّ. تَخَيَّلْهُ يَبْدَأُ رِحْلَتَهُ عِنْدَ شُرُوقِ ٱلشَّمْسِ لَا مُؤَنَ مَعَهُ وَلَا حَاجِيَّاتِ. فَيُحَاوِلُ جَاهِدًا ٱجْتِيَازَ تِلْكَ ٱلْأَرْضِ ٱلْوَعِرَةِ ٱلْمُوحِشَةِ، مَهْمُومًا مَذْعُورًا مُكْتَئِبًا، وَٱلْحَرُّ يَلْفَحُ وَجْهَهُ. وَمَعَ ٱحْمِرَارِ قُرْصِ ٱلشَّمْسِ وَٱنْحِدَارِهِ إِلَى مَبِيتِهِ، لَا بُدَّ أَنَّ ٱلتَّعَبَ أَخَذَ مِنْهُ كُلَّ مَأْخَذٍ. فَلَمْ يَجِدْ فِي تِلْكَ ٱلْبَرِّيَّةِ ٱلْقَاحِلَةِ سِوَى شَجَرَةِ رَتَمٍ يَجْلِسُ تَحْتَهَا لِيَلْتَقِطَ أَنْفَاسَهُ. — ١ مل ١٩:٤.
١٠، ١١ (أ) مَاذَا قَصَدَ إِيلِيَّا فِي صَلَاتِهِ إِلَى يَهْوَهَ؟ (ب) بِٱسْتِخْدَامِ ٱلْآيَاتِ ٱلْمُشَارِ إِلَيْهَا، أَيَّةُ مَشَاعِرَ تَمَلَّكَتْ خُدَّامًا أَتْقِيَاءَ آخَرِينَ ٱسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمِ ٱلتَّثَبُّطُ؟
١٠ صَلَّى إِيلِيَّا بِقَلْبٍ مُثْقَلٍ بِٱلْيَأْسِ وَطَلَبَ ٱلْمَوْتَ لِنَفْسِهِ قَائِلًا: «لَسْتُ جا ٩:١٠) وَشَعَرَ أَنَّهُ مِثْلُهُمْ لَا نَفْعَ مِنْهُ وَلَا فَائِدَةَ، لِذَا صَرَخَ: «كَفَى ٱلْآنَ يَا يَهْوَهُ!». فَلَا جَدْوَى مِنْ بَقَائِهِ عَلَى قَيْدِ ٱلْحَيَاةِ.
أَفْضَلَ مِنْ آبَائِي». لَقَدْ عَرَفَ أَنَّ أَسْلَافَهُ كَانُوا آنَذَاكَ مُجَرَّدَ تُرَابٍ وَعِظَامٍ فِي ٱلْقَبْرِ عَاجِزِينَ عَنْ مُسَاعَدَةِ أَحَدٍ. (١١ فَهَلْ مِنَ ٱلْمُسْتَغْرَبِ أَنْ يَقَعَ شَخْصٌ مُتَعَبِّدٌ لِلهِ فَرِيسَةَ ٱلتَّثَبُّطِ ٱلشَّدِيدِ؟ كَلَّا. فَسِجِلُّ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ يَتَحَدَّثُ عَنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ أُمَنَاءَ تَمَنَّوُا ٱلْمَوْتَ لِشِدَّةِ مَا عَانَوْا مِنَ ٱلْأَسَى، أَمْثَالِ رِفْقَةَ وَيَعْقُوبَ وَمُوسَى وَأَيُّوبَ. — تك ٢٥:٢٢؛ ٣٧:٣٥؛ عد ١١:١٣-١٥؛ اي ١٤:١٣.
١٢ كَيْفَ تَقْتَدِي بِمِثَالِ إِيلِيَّا إِذَا وَجَدْتَ نَفْسَكَ يَوْمًا مُثْقَلًا بِمَشَاعِرِ ٱلتَّثَبُّطِ؟
١٢ بِمَا أَنَّنَا نَعِيشُ ٱلْيَوْمَ فِي «أَزْمِنَةٍ حَرِجَةٍ»، فَلَا عَجَبَ أَنْ يَشْعُرَ كَثِيرُونَ، بِمَنْ فِيهِمْ خُدَّامُ ٱللهِ ٱلْأُمَنَاءُ، بِٱلْحُزْنِ وَٱلْإِحْبَاطِ مِنْ حِينٍ إِلَى آخَرَ. (٢ تي ٣:١) فَإِذَا وَجَدْتَ نَفْسَكَ يَوْمًا مُثْقَلًا بِهٰذِهِ ٱلْمَشَاعِرِ ٱلْأَلِيمَةِ، فَٱقْتَدِ بِإِيلِيَّا وَٱسْكُبْ قَلْبَكَ أَمَامَ يَهْوَهَ، «إِلٰهِ كُلِّ تَعْزِيَةٍ». (اقرأ ٢ كورنثوس ١:٣، ٤.) وَلٰكِنْ هَلْ أَرَاحَ ٱللهُ إِيلِيَّا؟
يَهْوَهُ يَسْنُدُ قَلْبَ نَبِيِّهِ
١٣، ١٤ (أ) كَيْفَ ٱسْتَخْدَمَ يَهْوَهُ مَلَاكًا لِيُظْهِرَ ٱهْتِمَامًا حُبِّيًّا بِنَبِيِّهِ ٱلْمُضْطَرِبِ؟ (ب) لِمَ هُوَ مُنْعِشٌ أَنْ يَعْرِفَ يَهْوَهُ كُلًّا مِنَّا حَقَّ ٱلْمَعْرِفَةِ وَيُدْرِكَ حُدُودَنَا؟
١٣ تُرَى كَيْفَ شَعَرَ يَهْوَهُ حِينَ نَظَرَ مِنْ عَلْيَائِهِ وَرَأَى نَبِيَّهُ ٱلْمَحْبُوبَ مُسْتَلْقِيًا تَحْتَ تِلْكَ ٱلشَّجَرَةِ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ يَلْتَمِسُ ٱلْمَوْتَ لِنَفْسِهِ؟ لَا مَجَالَ لِلتَّخْمِينِ. فَبَعْدَمَا ٱسْتَغْرَقَ إِيلِيَّا فِي ٱلنَّوْمِ، أَرْسَلَ يَهْوَهُ مَلَاكًا أَيْقَظَهُ بِلَمْسَةٍ رَقِيقَةٍ وَقَالَ لَهُ: «قُمْ وَكُلْ». فَقَامَ وَأَكَلَ وَجْبَةً بَسِيطَةً مِنَ ٱلْخُبْزِ ٱلطَّازَجِ وَٱلْمَاءِ كَانَ قَدْ أَعَدَّهَا لَهُ ٱلْمَلَاكُ. وَهَلْ أَعْرَبَ لَهُ عَنِ ٱمْتِنَانِهِ؟ لَا يَذْكُرُ ٱلسِّجِلُّ إِلَّا أَنَّهُ أَكَلَ وَشَرِبَ وَعَادَ إِلَى ٱلنَّوْمِ. فَهَلْ كَانَ غَارِقًا فِي ٱلْكَآبَةِ بِحَيْثُ لَمْ يَقْوَ عَلَى ٱلْكَلَامِ؟ لَا نَعْرِفُ. فِي أَيَّةِ حَالٍ، أَيْقَظَهُ ٱلْمَلَاكُ ثَانِيَةً رُبَّمَا عِنْدَ ٱلْفَجْرِ وَحَثَّهُ مَرَّةً أُخْرَى: «قُمْ وَكُلْ». ثُمَّ أَضَافَ ٱلْكَلِمَاتِ ٱللَّافِتَةَ ٱلتَّالِيَةَ: «لِأَنَّ ٱلْمَسَافَةَ كَثِيرَةٌ عَلَيْكَ». — ١ مل ١٩:٥-٧.
١٤ لَقَدْ عَرَفَ ٱلْمَلَاكُ وُجْهَةَ إِيلِيَّا بِفَضْلِ ٱلْبَصِيرَةِ ٱلَّتِي نَالَهَا مِنْ يَهْوَهَ. المزمور ١٠٣:١٣، ١٤.) وَلٰكِنْ هَلِ ٱنْتَعَشَ إِيلِيَّا بَعْدَمَا تَنَاوَلَ تِلْكَ ٱلْوَجْبَةَ؟
وَأَدْرَكَ أَيْضًا أَنَّ ٱلرِّحْلَةَ كَانَتْ أَصْعَبَ مِنْ أَنْ يُكْمِلَهَا ٱلنَّبِيُّ بِقُوَّتِهِ ٱلْخَاصَّةِ. فَكَمْ هُوَ مُنْعِشٌ أَنْ نَخْدُمَ إِلٰهًا يَعْرِفُ أَهْدَافَنَا وَحُدُودَنَا أَكْثَرَ مِنَّا! (اقرإ١٥، ١٦ (أ) مَاذَا تَمَكَّنَ إِيلِيَّا مِنْ فِعْلِهِ بَعْدَمَا تَنَاوَلَ ٱلْوَجْبَةَ ٱلَّتِي أَعَدَّهَا لَهُ يَهْوَهُ؟ (ب) لِمَ يَنْبَغِي أَنْ نُقَدِّرَ ٱلطَّرِيقَةَ ٱلَّتِي يَدْعَمُنَا بِهَا يَهْوَهُ ٱلْيَوْمَ؟
١٥ نَقْرَأُ: «قَامَ وَأَكَلَ وَشَرِبَ، وَسَارَ بِقُوَّةِ مَا ٱقْتَاتَ بِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً إِلَى جَبَلِ ٱللهِ حُورِيبَ». (١ مل ١٩:٨) فَعَلَى غِرَارِ مُوسَى ٱلَّذِي عَاشَ قَبْلَهُ بِنَحْوِ سِتَّةِ قُرُونٍ، وَيَسُوعَ ٱلَّذِي أَتَى بَعْدَهُ بِنَحْوِ عَشَرَةِ قُرُونٍ، صَامَ إِيلِيَّا أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. (خر ٣٤:٢٨؛ لو ٤:١، ٢) طَبْعًا، لَمْ تُنْهِ تِلْكَ ٱلْوَجْبَةُ ٱلْوَاحِدَةُ كُلَّ مَشَاكِلِهِ، إِلَّا أَنَّهَا سَنَدَتْ قَلْبَهُ عَجَائِبِيًّا. تَخَيَّلْ هٰذَا ٱلرَّجُلَ وَقَدْ خَطَّ ٱلشَّيْبُ رَأْسَهُ يَقْطَعُ جَاهِدًا ٱلْبَرِّيَّةَ ٱلْقَاحِلَةَ ٱلَّتِي قَلَّمَا وَطِئَهَا إِنْسَانٌ، سَائِرًا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ أُسْبُوعًا بَعْدَ أُسْبُوعٍ طَوَالَ شَهْرٍ وَنِصْفٍ تَقْرِيبًا.
١٦ اَلْيَوْمَ أَيْضًا يَسْنُدُ يَهْوَهُ قُلُوبَ خُدَّامِهِ، لَيْسَ بِتَأْمِينِ ٱلطَّعَامِ ٱلْجَسَدِيِّ عَجَائِبِيًّا، بَلْ بِطَرِيقَةٍ أَهَمَّ بِكَثِيرٍ: تَزْوِيدِهِمِ ٱلطَّعَامَ ٱلرُّوحِيَّ. (مت ٤:٤) فَٱسْتِقَاءُ ٱلْمَعْرِفَةِ عَنِ ٱللهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُقَدَّسِ وَٱلْمَطْبُوعَاتِ ٱلْمُؤَسَّسَةِ عَلَيْهِ بِدِقَّةٍ يَدْعَمُنَا وَيَسْنُدُنَا رُوحِيًّا. صَحِيحٌ أَنَّ تَنَاوُلَ هٰذَا ٱلْغِذَاءِ ٱلرُّوحِيِّ قَدْ لَا يَحُلُّ كُلَّ مَشَاكِلِنَا، لٰكِنَّهُ يُسَاعِدُنَا عَلَى ٱحْتِمَالِ مِحَنٍ نَعْجِزُ لَوْلَاهُ عَنِ ٱحْتِمَالِهَا. وَهُوَ أَيْضًا يُؤَدِّي بِنَا إِلَى نَيْلِ «ٱلْحَيَاةِ ٱلْأَبَدِيَّةِ». — يو ١٧:٣.
١٧ إِلَى أَيْنَ ذَهَبَ إِيلِيَّا، وَلِمَ كَانَ لِذٰلِكَ ٱلْمَكَانِ أَهَمِّيَّةٌ تَارِيخِيَّةٌ؟
١٧ بَعْدَمَا سَارَ إِيلِيَّا حَوَالَيْ ٣٢٠ كلم، وَصَلَ أَخِيرًا إِلَى جَبَلِ حُورِيبَ (جَبَلِ سِينَاءَ). وَلِهٰذَا ٱلْجَبَلِ أَهَمِّيَّةٌ تَارِيخِيَّةٌ. فَهُنَاكَ، مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ، ٱسْتَخْدَمَ يَهْوَهُ مَلَاكًا وَتَرَاءَى لِمُوسَى فِي عُلَّيْقَةٍ مُتَّقِدَةٍ وَقَطَعَ فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ عَهْدَ ٱلشَّرِيعَةِ مَعَ إِسْرَائِيلَ. وَفِي هٰذَا ٱلْجَبَلِ، وَجَدَ إِيلِيَّا مَغَارَةً وَبَاتَ فِيهَا.
يَهْوَهُ يَمُدُّ نَبِيَّهُ بِٱلتَّعْزِيَةِ وَٱلتَّشْجِيعِ
١٨، ١٩ (أ) أَيُّ سُؤَالٍ طَرَحَهُ مَلَاكُ يَهْوَهَ عَلَى إِيلِيَّا، وَكَيْفَ تَجَاوَبَ ٱلنَّبِيُّ؟ (ب) مَا هِيَ أَسْبَابُ حُزْنِ إِيلِيَّا ٱلثَّلَاثَةُ؟
١٨ فِيمَا كَانَ إِيلِيَّا فِي ٱلْمَغَارَةِ، أَتَاهُ «كَلَامُ» يَهْوَهَ بِوَاسِطَةِ مَلَاكٍ كَمَا يَتَّضِحُ ١ مل ١٩:٩، ١٠) نَسْتَشِفُّ مِنْ كَلِمَاتِهِ هٰذِهِ ثَلَاثَةَ أَسْبَابٍ عَلَى ٱلْأَقَلِّ تُفَسِّرُ حُزْنَهُ وَتَثَبُّطَهُ.
قَائِلًا لَهُ: «مَا لَكَ هٰهُنَا يَا إِيلِيَّا؟». لَا بُدَّ أَنَّ ٱلسُّؤَالَ طُرِحَ عَلَيْهِ بِمُنْتَهَى ٱلرِّقَّةِ، مَا دَفَعَهُ إِلَى سَكْبِ مَشَاعِرِهِ ٱلْعَمِيقَةِ. فَعَبَّرَ بِكُلِّ جَوَارِحِهِ: «غِرْتُ غَيْرَةً لِيَهْوَهَ إِلٰهِ ٱلْجُنُودِ، لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ تَرَكُوا عَهْدَكَ، وَهَدَمُوا مَذَابِحَكَ، وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِٱلسَّيْفِ، وَبَقِيتُ أَنَا وَحْدِي، وَهُمْ يَطْلُبُونَ نَفْسِي لِيَأْخُذُوهَا». (١٩ أَوَّلًا، شَعَرَ أَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ ذَهَبَ هَبَاءً. فَرَغْمَ أَنَّهُ ‹غَارَ غَيْرَةً› لِيَهْوَهَ سِنِينَ طَوِيلَةً وَاضِعًا ٱسْمَهُ ٱلْقُدُّوسَ وَعِبَادَتَهُ فِي ٱلْمَقَامِ ٱلْأَوَّلِ، بَدَا لَهُ أَنَّ ٱلْأَوْضَاعَ تَزْدَادُ سُوءًا بَدَلَ أَنْ تَتَحَسَّنَ. فَٱلشَّعْبُ لَا يَزَالُونَ خَائِنِينَ مُتَمَرِّدِينَ، وَٱلْعِبَادَةُ ٱلْبَاطِلَةُ تَتَفَشَّى بَيْنَهُمْ كَٱلْوَبَإِ. ثَانِيًا، ٱنْتَابَهُ إِحْسَاسٌ بِٱلْوَحْدَةِ. فَقَدْ قَالَ: «بَقِيتُ أَنَا وَحْدِي»، وَكَأَنَّهُ آخِرُ شَخْصٍ بَقِيَ يَخْدُمُ يَهْوَهَ فِي أُمَّةِ إِسْرَائِيلَ. ثَالِثًا، كَانَ ٱلْخَوْفُ مُسْتَأْثِرًا بِهِ. فَبَعْدَمَا قُتِلَ كَثِيرُونَ مِنْ رُفَقَائِهِ ٱلْأَنْبِيَاءِ، بَاتَ مُقْتَنِعًا أَنَّهُ ٱلضَّحِيَّةُ ٱلتَّالِيَةُ. لَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ سَهْلًا عَلَى إِيلِيَّا ٱلِٱعْتِرَافُ بِهٰذِهِ ٱلْمَشَاعِرِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْبِسْهَا فِي نَفْسِهِ تَكَبُّرًا أَوْ خَجَلًا. وَبِإِفْصَاحِهِ لِلهِ عَنْ مَكْنُونَاتِ قَلْبِهِ فِي ٱلصَّلَاةِ، رَسَمَ لِكُلِّ ٱلْأُمَنَاءِ مِثَالًا يُقْتَدَى بِهِ. — مز ٦٢:٨.
٢٠، ٢١ (أ) مَاذَا شَهِدَ إِيلِيَّا وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ بَابِ ٱلْمَغَارَةِ فِي جَبَلِ حُورِيبَ؟ (ب) كَيْفَ ٱسْتَفَادَ إِيلِيَّا مِنَ ٱلتَّجَلِّيَاتِ ٱلْمُذْهِلَةِ لِقُدْرَةِ يَهْوَهَ؟
٢٠ كَيْفَ خَفَّفَ يَهْوَهُ مِنْ خَوْفِ إِيلِيَّا وَقَلَقِهِ؟ طَلَبَ مِنْهُ ٱلْمَلَاكُ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ بَابِ ٱلْمَغَارَةِ، فَأَطَاعَ غَيْرَ عَالِمٍ بِمَا يَنْتَظِرُهُ. وَإِذْ بِرِيحٍ عَاصِفَةٍ تَهُبُّ فَجْأَةً صَفِيرُهَا يَصُمُّ ٱلْآذَانَ، وَلِقُوَّتِهَا ٱنْشَقَّتِ ٱلْجِبَالُ وَتَكَسَّرَتِ ٱلصُّخُورُ. تَخَيَّلْ إِيلِيَّا آنًا يُحَاوِلُ حِمَايَةَ عَيْنَيْهِ وَآوِنَةً يَتَمَسَّكُ بِرِدَائِهِ ٱلسَّمِيكِ ٱلَّذِي تَطِيرُ بِهِ ٱلرِّيحُ وَتَلُفُّهُ حَوْلَهُ. ثُمَّ مَا لَبِثَ أَنْ وَجَدَ نَفْسَهُ يَتَأَرْجَحُ يَمْنَةً وَيَسْرَةً. فَٱلْأَرْضُ رَاحَتْ تَرْتَجُّ وَتَمُوجُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لِأَنَّ زَلْزَلَةً ضَرَبَتِ ٱلْمَكَانَ. وَفِيمَا هُوَ بَعْدُ تَحْتَ ٱلصَّدْمَةِ، شَبَّتْ نَارٌ عَظِيمَةٌ وَسَرَتْ بِسُرْعَةٍ، فَٱضْطُرَّ إِلَى دُخُولِ ٱلْمَغَارَةِ ٱتِّقَاءً مِنْ حَرَارَتِهَا ٱللَّاذِعَةِ. — ١ مل ١٩:١١، ١٢.
٢١ عِنْدَ حُدُوثِ كُلٍّ مِنْ هٰذِهِ ٱلظَّوَاهِرِ، تُذَكِّرُنَا ٱلرِّوَايَةُ أَنَّ يَهْوَهَ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ ٱلتَّجَلِّيَاتِ ٱلْمُوحِيَةِ بِٱلرَّهْبَةِ لِقُوَى ٱلطَّبِيعَةِ. وَإِيلِيَّا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ يَهْوَهَ لَيْسَ ١ مل ٨:٢٧) وَكَيْفَ ٱسْتَفَادَ إِيلِيَّا مِنْ كُلِّ مَا شَهِدَهُ؟ تَذَكَّرْ أَنَّهُ كَانَ فِي غَايَةِ ٱلْخَوْفِ. أَمَّا ٱلْآنَ وَإِلٰهٌ مِثْلُ يَهْوَهَ وَاقِفٌ إِلَى جَانِبِهِ، إِلٰهٌ يَمْتَلِكُ كُلَّ هٰذِهِ ٱلْقُدْرَةِ ٱلْهَائِلَةِ، فَمَا كَانَ مِنْ دَاعٍ بَعْدُ أَنْ يَخْشَى أَخْآبَ وَإِيزَابِلَ. — اقرإ المزمور ١١٨:٦.
إِلٰهًا خُرَافِيًّا يُجَسِّدُ هٰذِهِ ٱلْقُوَى، مِثْلَ بَعْلٍ ٱلَّذِي دَعَاهُ عُبَّادُهُ ٱلضَّالُّونَ «رَاكِبَ ٱلْغَمَامِ»، أَيْ جَالِبَ ٱلْمَطَرِ. فَيَهْوَهُ هُوَ ٱلْمَصْدَرُ ٱلْحَقِيقِيُّ لِكُلِّ قُوَّةٍ مَهِيبَةٍ كَامِنَةٍ فِي ٱلطَّبِيعَةِ، لٰكِنَّهُ أَيْضًا أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ صَنَعَتْهُ يَدَاهُ، حَتَّى إِنَّ ٱلسَّمٰوَاتِ ٱلْحَرْفِيَّةَ لَا تَسَعُهُ. (٢٢ (أ) كَيْفَ أَكَّدَ ‹ٱلصَّوْتُ ٱلْمُنْخَفِضُ ٱلْهَادِئُ› لِإِيلِيَّا أَنَّ لَهُ قِيمَةً عَظِيمَةً؟ (ب) مَنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَصْدَرُ ‹ٱلصَّوْتِ ٱلْمُنْخَفِضِ ٱلْهَادِئِ›؟ (اُنْظُرِ ٱلْحَاشِيَةَ.)
٢٢ بَعْدَمَا ٱخْتَفَتِ ٱلنَّارُ، وَقَعَ صَمْتٌ مُطْبِقٌ. ثُمَّ تَنَاهَى إِلَى مَسَامِعِ إِيلِيَّا «صَوْتٌ مُنْخَفِضٌ هَادِئٌ» حَفَزَهُ أَنْ يَفْتَحَ قَلْبَهُ مُجَدَّدًا. * فَأَفْصَحَ عَمَّا يَجِيشُ فِي صَدْرِهِ لِلْمَرَّةِ ٱلثَّانِيَةِ. وَلَعَلَّ ذٰلِكَ بَعَثَ فِي نَفْسِهِ ٱلْمَزِيدَ مِنَ ٱلرَّاحَةِ وَٱلِٱطْمِئْنَانِ. وَلٰكِنْ مِنَ ٱلْمُؤَكَّدِ أَنَّهُ ٱطْمَأَنَّ أَكْثَرَ بَعْدَمَا سَمِعَ مَا قَالَهُ هٰذَا ‹ٱلصَّوْتُ ٱلْمُنْخَفِضُ ٱلْهَادِئُ›. فَيَهْوَهُ بَرْهَنَ لِلنَّبِيِّ أَنَّ لَهُ قِيمَةً عَظِيمَةً فِي نَظَرِهِ. كَيْفَ؟ حِينَ كَشَفَ لَهُ ٱلْكَثِيرَ عَمَّا يَنْوِي فِعْلَهُ فِي ٱلْمُسْتَقْبَلِ بِعِبَادَةِ ٱلْبَعْلِ فِي إِسْرَائِيلَ. مِنَ ٱلْوَاضِحِ إِذًا أَنَّ جُهُودَ إِيلِيَّا لَمْ تَذْهَبْ هَبَاءً، فَقَصْدُ يَهْوَهَ كَانَ جَارِيًا عَلَى قَدَمٍ وَسَاقٍ لَا يُعِيقُهُ عَائِقٌ. هٰذَا وَإِنَّ إِيلِيَّا كَانَ سَيَلْعَبُ بَعْدُ دَوْرًا فِي هٰذَا ٱلْقَصْدِ. فَقَدْ أَمَرَهُ يَهْوَهُ بِٱلْعَوْدَةِ إِلَى ٱلْعَمَلِ بَعْدَمَا أَعْطَاهُ إِرْشَادَاتٍ مُحَدَّدَةً. — ١ مل ١٩:١٢-١٧.
٢٣ بِأَيِّ طَرِيقَتَيْنِ خَفَّفَ يَهْوَهُ مِنْ وَطْأَةِ مَشَاعِرِ ٱلْوَحْدَةِ ٱلَّتِي ٱنْتَابَتْ إِيلِيَّا؟
٢٣ وَمَاذَا عَنْ مَشَاعِرِ ٱلْوَحْدَةِ ٱلَّتِي ٱنْتَابَتْ إِيلِيَّا؟ خَفَّفَ يَهْوَهُ مِنْ وَطْأَتِهَا ١ مل ١٩:١٨) إِذًا، لَمْ يَكُنْ إِيلِيَّا وَحِيدًا. فَقَدِ ٱنْشَرَحَ صَدْرُهُ دُونَ شَكٍّ حِينَ عَلِمَ أَنَّ آلَافَ ٱلْأُمَنَاءِ رَفَضُوا عِبَادَةَ ٱلْبَعْلِ. وَهٰؤُلَاءِ ٱلْأَشْخَاصُ كَانُوا سَيَتَشَجَّعُونَ بِمِثَالِهِ حِينَ يُوَاظِبُ هُوَ عَلَى خِدْمَةِ يَهْوَهَ بِأَمَانَةٍ وَيَرْسُمُ مِثَالًا فِي ٱلْمُحَافَظَةِ عَلَى وَلَاءٍ لَا يَنْثَلِمُ خِلَالَ تِلْكَ ٱلْأَوْقَاتِ ٱلْحَالِكَةِ. فَيَا لَلْأَثَرِ ٱلْعَمِيقِ ٱلَّذِي تَرَكَتْهُ فِي قَلْبِ إِيلِيَّا ٱلْكَلِمَاتُ ٱلَّتِي قَالَهَا رَسُولُ يَهْوَهَ، ‹ٱلصَّوْتُ ٱلْمُنْخَفِضُ ٱلْهَادِئُ› لِإِلٰهِهِ!
عَلَيْهِ بِطَرِيقَتَيْنِ. أَوَّلًا، طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَمْسَحَ أَلِيشَعَ بِوَصْفِهِ ٱلنَّبِيَّ ٱلَّذِي كَانَ سَيَخْلُفُهُ فِي آخِرِ ٱلْأَمْرِ. وَكَانَ هٰذَا ٱلشَّابُّ سَيُرَافِقُهُ وَيُسَانِدُهُ لِسَنَوَاتٍ عِدَّةٍ. فَكَمْ كَانَتْ هٰذِهِ ٱلْمُسَاعَدَةُ فِي حِينِهَا! ثَانِيًا، نَقَلَ إِلَيْهِ هٰذَا ٱلْخَبَرَ ٱلْمُفْرِحَ: «قَدْ أَبْقَيْتُ فِي إِسْرَائِيلَ سَبْعَةَ آلَافٍ، كُلَّ ٱلرُّكَبِ ٱلَّتِي لَمْ تُحْنَ لِلْبَعْلِ، وَكُلَّ فَمٍ لَمْ يُقَبِّلْهُ». (قَدْ يَكُونُ اَلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ أَشْبَهَ بِذَاكَ ‹ٱلصَّوْتِ ٱلْمُنْخَفِضِ ٱلْهَادِئِ› إِذَا سَمَحْنَا لَهُ بِأَنْ يُرْشِدَنَا ٱلْيَوْمَ
٢٤، ٢٥ (أ) بِأَيِّ طَرِيقَةٍ نُصْغِي ٱلْيَوْمَ إِلَى ‹صَوْتِ يَهْوَهَ ٱلْمُنْخَفِضِ ٱلْهَادِئِ›؟ (ب) مَاذَا يُؤَكِّدُ أَنَّ إِيلِيَّا تَعَزَّى بِٱلْمُسَاعَدَةِ ٱلَّتِي نَالَهَا مِنْ يَهْوَهَ؟
٢٤ عَلَى غِرَارِ إِيلِيَّا، قَدْ نَمْتَلِئُ رَهْبَةً مِنَ ٱلْقُوَى ٱلطَّبِيعِيَّةِ ٱلْجَبَّارَةِ ٱلْمُتَجَلِّيَةِ فِي ٱلْخَلِيقَةِ. وَشُعُورُنَا هٰذَا فِي مَحَلِّهِ. فَٱلْخَلِيقَةُ تُجَسِّدُ بِوُضُوحٍ قُدْرَةَ ٱلْخَالِقِ. (رو ١:٢٠) وَيَهْوَهُ يَرْغَبُ حَتَّى ٱلْآنَ فِي ٱسْتِخْدَامِ قُدْرَتِهِ ٱللَّامُتَنَاهِيَةِ لِمَصْلَحَةِ خُدَّامِهِ ٱلْأُمَنَاءِ. (٢ اخ ١٦:٩) لٰكِنَّهُ ٱلْيَوْمَ يَتَكَلَّمُ مَعَنَا بِشَكْلٍ أَشْمَلَ مِنْ خِلَالِ صَفَحَاتِ كَلِمَتِهِ. (اقرأ اشعيا ٣٠:٢١.) فَٱلْكِتَابُ ٱلْمُقَدَّسُ، إِذَا جَازَ ٱلتَّعْبِيرُ، قَدْ يَكُونُ أَشْبَهَ بِذَاكَ ‹ٱلصَّوْتِ ٱلْمُنْخَفِضِ ٱلْهَادِئِ› إِذَا سَمَحْنَا لَهُ بِأَنْ يُرْشِدَنَا. فَمِنْ خِلَالِ مَبَادِئِهِ ٱلثَّمِينَةِ، يُؤَدِّبُنَا يَهْوَهُ، يُشَجِّعُنَا، وَيُؤَكِّدُ لَنَا مَحَبَّتَهُ.
٢٥ وَهَلْ تَعَزَّى إِيلِيَّا بِٱلْمُسَاعَدَةِ ٱلَّتِي نَالَهَا مِنْ يَهْوَهَ عَلَى جَبَلِ حُورِيبَ؟ نَعَمْ دُونَ أَدْنَى شَكٍّ. فَسُرْعَانَ مَا ٱسْتَعَادَ نَشَاطَهُ وَعَادَ كَسَابِقِ عَهْدِهِ نَبِيًّا شُجَاعًا أَمِينًا يَقِفُ فِي وَجْهِ ٱلْعِبَادَةِ ٱلْبَاطِلَةِ. نَحْنُ أَيْضًا، إِذَا أَصْغَيْنَا إِلَى كَلِمَاتِ ٱللهِ ٱلْمُلْهَمَةِ ٱلَّتِي هِيَ ‹تَعْزِيَةٌ لَنَا مِنَ ٱلْأَسْفَارِ ٱلْمُقَدَّسَةِ›، نَقْتَدِي بِإِيمَانِ إِيلِيَّا. — رو ١٥:٤.
^ الفقرة 22 لَعَلَّ مَصْدَرَ هٰذَا ‹ٱلصَّوْتِ ٱلْمُنْخَفِضِ ٱلْهَادِئِ› هُوَ ٱلْكَائِنُ ٱلرُّوحَانِيُّ نَفْسُهُ ٱلَّذِي ٱسْتُخْدِمَ لِنَقْلِ «كَلَامِ يَهْوَهَ» ٱلْمَذْكُورِ فِي ١ مُلُوك ١٩:٩. وَيُشَارُ إِلَيْهِ فِي ٱلْعَدَدِ ١٥ بِأَنَّهُ «يَهْوَهُ». وَقَدْ يُذَكِّرُنَا ذٰلِكَ بِٱلرَّسُولِ ٱلْمَلَائِكِيِّ ٱلَّذِي ٱسْتَخْدَمَهُ يَهْوَهُ لِقِيَادَةِ إِسْرَائِيلَ فِي ٱلْبَرِّيَّةِ وَقَالَ عَنْهُ: «اِسْمِي فِيهِ». (خر ٢٣:٢١) وَرَغْمَ أَنَّنَا لَا نَسْتَطِيعُ حَتْمًا ٱلْجَزْمَ فِي هٰذِهِ ٱلْمَسْأَلَةِ، مِنَ ٱلْجَدِيرِ بِٱلذِّكْرِ أَنَّ يَسُوعَ خِلَالَ وُجُودِهِ ٱلسَّابِقِ لِبَشَرِيَّتِهِ كَانَ «ٱلْكَلِمَةَ»، أَيِ ٱلنَّاطِقَ ٱلْخَاصَّ بِلِسَانِ يَهْوَهَ ٱلَّذِي نَقَلَ كَلَامَهُ إِلَى خُدَّامِهِ. — يو ١:١.